العنصرية والبيت الأبيض- عودة ترامب صدى لرفض أوباما وهاريس؟
المؤلف: إبراهيم البعيز11.08.2025

منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت المؤشرات الاجتماعية تلقي بظلالها على تحولات ديموغرافية حتمية في المجتمع الأمريكي. هذه التحولات تنبئ بانقلاب في الموازين، حيث يتحول العرق الأبيض ذو الأصول الأنجلوسكسونية إلى أقلية في بعض الولايات، لا سيما في الغرب والجنوب، مثل كاليفورنيا وتكساس. هذه التغيرات أصبحت ملموسة بصورة جلية في الآونة الأخيرة، وقد انعكست آثارها بقوة في الساحة السياسية، وأصبحت قدرة الرجل الأبيض على توجيه نتائج الانتخابات موضع تساؤل. البداية كانت على مستوى حكام الولايات، ثم امتدت إلى المجالس التشريعية، وبلغت ذروتها بالوصول إلى سدة الرئاسة. تجسد ذلك بالفعل قبل ستة عشر عاماً بفوز باراك أوباما الساحق في انتخابات عام 2008، واستمراره في قيادة البلاد لفترتين رئاسيتين متتاليتين. اعتقد الكثيرون أن المجتمع الأمريكي قد تجاوز أخيراً عقبة العنصرية، وأن العرق الأبيض أو المذهب البروتستانتي لم يعودا شرطاً أساسياً للفوز بالرئاسة. ولكن، هل كان هذا الاستنتاج صائباً؟ من وجهة نظري المتواضعة، أرى أن الواقع يخالف ذلك.
العنصرية شعور دفين، راسخ في ثقافة الرجل الأبيض، حتى وإن لم يظهر بشكل سافر في كل الأوقات. أرى أنها لا تزال عصية على الزوال، على الرغم من الجهود الحثيثة والمبادرات القانونية المتعددة، سواء على مستوى الولايات أو المستوى الفيدرالي. جذور هذه العنصرية تعود إلى السنوات الأولى لتأسيس الدولة الفيدرالية. بسببها اندلعت الحرب الأهلية عندما صدر قانون إلغاء العبودية، وعارضته الولايات الجنوبية بحجج اقتصادية وتأثيره على العمالة في القطاع الزراعي. قد يكون هذا مبرراً جزئياً، إلا أن النزعة العنصرية والاستعلاء لدى الرجل الأبيض لا يمكن تجاهلها. الدليل على ذلك هو أن القوانين العنصرية التي تحمي التمييز العنصري ظلت سارية في عدد من الولايات حتى منتصف السبعينيات، حيث كان التزاوج بين الأعراق محظوراً، وكان دفن الملونين في مقابر البيض ممنوعاً أيضاً، بالإضافة إلى قوانين تمييزية أخرى لا حصر لها.
أول محاولة لرجل أسود من أصول أفريقية للترشح للرئاسة الأمريكية كانت من خلال حملة جسي جاكسون في عام 1984. ومع ذلك، لم يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، حيث احتل المرتبة الثالثة بين المتنافسين بعد والتر مونديل وقاري هارت. لكنه لم يستسلم، وعاد ليخوض المعركة مرة أخرى في عام 1988، ولكنه أيضاً لم ينجح في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي. كان على المرشح الثاني من أصول أفريقية، باراك أوباما، أن ينتظر عشرين عاماً ليكسب ثقة الحزب الديمقراطي، وكذلك ثقة الناخب الأمريكي في انتخابات نوفمبر 2007.
في يناير 2008، كنت متواجداً في الولايات المتحدة، وتصادف أنني وصلت إلى واشنطن في طريق عودتي إلى الرياض في يوم تنصيب الرئيس باراك أوباما. شهدت حشوداً غفيرة من المواطنين الأمريكيين من أصول أفريقية والأقليات الأخرى يحتفلون بهذا الحدث التاريخي. رأيت الفرحة العارمة في عيون من شاهدتهم في المطار، وسمعت عبارات التفاؤل والأمل في كلمات من تحدثت معهم في بهو الفندق. لقد كانت حقاً مناسبة تاريخية بكل المقاييس، وتقديراً مني للشعب الأمريكي وللسنوات التي قضيتها في ثلاث ولايات في الغرب الأوسط، شاركتهم فرحة التفاؤل والأمل بمستقبل مشرق.
لم يكن هذا التغير الجديد ليمر مرور الكرام على الرجل الأبيض، ويبدو أن رجل الأعمال والملياردير دونالد ترامب كان الشخص المناسب لهذه المرحلة. لم يكن يتمتع بالخبرة السياسية المعهودة أو السيرة الذاتية المطلوبة لتولي منصب رئيس أقوى دولة في العالم؛ فقد جاء من خارج الدائرة السياسية التقليدية، ولكنه كان يتمتع بالكاريزما اللازمة للمنافسة، ولم يتردد في التلميح إلى العنصرية حتى وإن بدت بشكل سافر وواضح لا يقبل التأويل، إلى درجة أن شبكة تويتر قامت بتعليق حسابه حتى وهو لا يزال يشغل منصب الرئيس في البيت الأبيض.
لم يسمح الرجل الأبيض بأن تمر خسارة مرشحه دون مقاومة، حيث اقتحم ما يزيد على ألفي شخص مبنى الكونجرس أثناء انعقاد الجلسة المخصصة للتصديق على فوز بايدن بالرئاسة، في محاولة يائسة لتعطيل الجلسة احتجاجاً على النتيجة التي زعم ترامب أنها مزورة وغير صحيحة. لم يقتصر الأمر على هذا الاحتجاج العنيف، بل جرت محاولات حثيثة لضمان عودة ترامب إلى السلطة. مما زاد من حماس الرجل الأبيض العنصري هو احتمال أن يكون البديل امرأة ملونة. ومما ساعدهم على تحقيق هذا الهدف هو حالة الفوضى التي عانى منها الحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات بسبب إصرار بايدن على الترشح لفترة رئاسية ثانية، وبعد ظهور علامات تدل على عدم قدرته على الفوز في المناظرة الأولى، مورس عليه ضغط شديد لإقناعه بالتنحي. وفي هذه الحالة، لم يكن أمام الحزب الديمقراطي خيار آخر سوى كاميلا هاريس، وهو الأمر الذي دفع ترامب إلى التعبير عن سعادته وتفاؤله بتحقيق الفوز.
ربما استبعد البعض فوز ترامب، وتوقعوا فوز كاميلا هاريس، وذلك بالنظر إلى نتائج العديد من استطلاعات الرأي التي أشارت إلى ذلك. ومع ذلك، ربما غفلنا عن أمرين هامين:
الأمر الأول: أن استطلاعات الرأي تنطوي على قدر معين من هامش الخطأ، وهو أمر معهود في جميع الاستطلاعات التي تعتمد على عينات عشوائية. ومعظم هذه الاستطلاعات مشكوك في مدى عشوائية عيناتها، وبالتالي فإن هوامش الخطأ التي أشارت إليها ليست بالضرورة دقيقة، وقد تكون أعلى مما ذكر فيها.
الأمر الثاني: أن العنصرية التي يلمح إليها ترامب، وأحياناً يصرح بها علانية، ليست محل فخر واعتزاز. وربما لم يصرح الكثيرون من مؤيدي ترامب في استطلاعات الرأي بتأييدهم له، أو أنهم لم يشاركوا أساساً في هذه الاستطلاعات.
خلاصة القول أن فوز ترامب بالرئاسة لا يعود إلى سيرته الذاتية أو إنجازاته السياسية في فترته الأولى، بل يعود إلى قدرته الفائقة على التعبير عن آراء أولئك الذين استاؤوا من وصول باراك أوباما إلى الرئاسة في عام 2008، والذين يرفضون القبول بفوز كاميلا هاريس في عام 2024.
العنصرية شعور دفين، راسخ في ثقافة الرجل الأبيض، حتى وإن لم يظهر بشكل سافر في كل الأوقات. أرى أنها لا تزال عصية على الزوال، على الرغم من الجهود الحثيثة والمبادرات القانونية المتعددة، سواء على مستوى الولايات أو المستوى الفيدرالي. جذور هذه العنصرية تعود إلى السنوات الأولى لتأسيس الدولة الفيدرالية. بسببها اندلعت الحرب الأهلية عندما صدر قانون إلغاء العبودية، وعارضته الولايات الجنوبية بحجج اقتصادية وتأثيره على العمالة في القطاع الزراعي. قد يكون هذا مبرراً جزئياً، إلا أن النزعة العنصرية والاستعلاء لدى الرجل الأبيض لا يمكن تجاهلها. الدليل على ذلك هو أن القوانين العنصرية التي تحمي التمييز العنصري ظلت سارية في عدد من الولايات حتى منتصف السبعينيات، حيث كان التزاوج بين الأعراق محظوراً، وكان دفن الملونين في مقابر البيض ممنوعاً أيضاً، بالإضافة إلى قوانين تمييزية أخرى لا حصر لها.
أول محاولة لرجل أسود من أصول أفريقية للترشح للرئاسة الأمريكية كانت من خلال حملة جسي جاكسون في عام 1984. ومع ذلك، لم يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، حيث احتل المرتبة الثالثة بين المتنافسين بعد والتر مونديل وقاري هارت. لكنه لم يستسلم، وعاد ليخوض المعركة مرة أخرى في عام 1988، ولكنه أيضاً لم ينجح في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي. كان على المرشح الثاني من أصول أفريقية، باراك أوباما، أن ينتظر عشرين عاماً ليكسب ثقة الحزب الديمقراطي، وكذلك ثقة الناخب الأمريكي في انتخابات نوفمبر 2007.
في يناير 2008، كنت متواجداً في الولايات المتحدة، وتصادف أنني وصلت إلى واشنطن في طريق عودتي إلى الرياض في يوم تنصيب الرئيس باراك أوباما. شهدت حشوداً غفيرة من المواطنين الأمريكيين من أصول أفريقية والأقليات الأخرى يحتفلون بهذا الحدث التاريخي. رأيت الفرحة العارمة في عيون من شاهدتهم في المطار، وسمعت عبارات التفاؤل والأمل في كلمات من تحدثت معهم في بهو الفندق. لقد كانت حقاً مناسبة تاريخية بكل المقاييس، وتقديراً مني للشعب الأمريكي وللسنوات التي قضيتها في ثلاث ولايات في الغرب الأوسط، شاركتهم فرحة التفاؤل والأمل بمستقبل مشرق.
لم يكن هذا التغير الجديد ليمر مرور الكرام على الرجل الأبيض، ويبدو أن رجل الأعمال والملياردير دونالد ترامب كان الشخص المناسب لهذه المرحلة. لم يكن يتمتع بالخبرة السياسية المعهودة أو السيرة الذاتية المطلوبة لتولي منصب رئيس أقوى دولة في العالم؛ فقد جاء من خارج الدائرة السياسية التقليدية، ولكنه كان يتمتع بالكاريزما اللازمة للمنافسة، ولم يتردد في التلميح إلى العنصرية حتى وإن بدت بشكل سافر وواضح لا يقبل التأويل، إلى درجة أن شبكة تويتر قامت بتعليق حسابه حتى وهو لا يزال يشغل منصب الرئيس في البيت الأبيض.
لم يسمح الرجل الأبيض بأن تمر خسارة مرشحه دون مقاومة، حيث اقتحم ما يزيد على ألفي شخص مبنى الكونجرس أثناء انعقاد الجلسة المخصصة للتصديق على فوز بايدن بالرئاسة، في محاولة يائسة لتعطيل الجلسة احتجاجاً على النتيجة التي زعم ترامب أنها مزورة وغير صحيحة. لم يقتصر الأمر على هذا الاحتجاج العنيف، بل جرت محاولات حثيثة لضمان عودة ترامب إلى السلطة. مما زاد من حماس الرجل الأبيض العنصري هو احتمال أن يكون البديل امرأة ملونة. ومما ساعدهم على تحقيق هذا الهدف هو حالة الفوضى التي عانى منها الحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات بسبب إصرار بايدن على الترشح لفترة رئاسية ثانية، وبعد ظهور علامات تدل على عدم قدرته على الفوز في المناظرة الأولى، مورس عليه ضغط شديد لإقناعه بالتنحي. وفي هذه الحالة، لم يكن أمام الحزب الديمقراطي خيار آخر سوى كاميلا هاريس، وهو الأمر الذي دفع ترامب إلى التعبير عن سعادته وتفاؤله بتحقيق الفوز.
ربما استبعد البعض فوز ترامب، وتوقعوا فوز كاميلا هاريس، وذلك بالنظر إلى نتائج العديد من استطلاعات الرأي التي أشارت إلى ذلك. ومع ذلك، ربما غفلنا عن أمرين هامين:
الأمر الأول: أن استطلاعات الرأي تنطوي على قدر معين من هامش الخطأ، وهو أمر معهود في جميع الاستطلاعات التي تعتمد على عينات عشوائية. ومعظم هذه الاستطلاعات مشكوك في مدى عشوائية عيناتها، وبالتالي فإن هوامش الخطأ التي أشارت إليها ليست بالضرورة دقيقة، وقد تكون أعلى مما ذكر فيها.
الأمر الثاني: أن العنصرية التي يلمح إليها ترامب، وأحياناً يصرح بها علانية، ليست محل فخر واعتزاز. وربما لم يصرح الكثيرون من مؤيدي ترامب في استطلاعات الرأي بتأييدهم له، أو أنهم لم يشاركوا أساساً في هذه الاستطلاعات.
خلاصة القول أن فوز ترامب بالرئاسة لا يعود إلى سيرته الذاتية أو إنجازاته السياسية في فترته الأولى، بل يعود إلى قدرته الفائقة على التعبير عن آراء أولئك الذين استاؤوا من وصول باراك أوباما إلى الرئاسة في عام 2008، والذين يرفضون القبول بفوز كاميلا هاريس في عام 2024.
